تحليل سياسي: هل تغير موقف الانتقالي من استعادة الدولة الجنوبية أم لا يزال ثابتاً؟

قراءة في مقابلة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي الأخيرة
دولتان متجاورتان.. كيف سيسهم ذلك في استقرار المنطقة؟
كيف سيتعامل المجلس مع الحكومة الجديدة واتفاق الرياض؟
هكذا سيكون الانتقالي سنداً وعوناً للتحالف في المرحلة القادمة
الانتقالي يؤكد أن قواته هي نواة الجيش الجنوبي.. كيف؟
هذه رسائل الانتقالي
تحليل / بديع سلطان:
ينظر كثيرون إلى أن قبول المجلس الانتقالي الجنوبي بالدخول في الحكومة اليمنية، وأن يصبح أحد مكوناتها الرئيسية، هو تراجع كبير لمبادئ المجلس، وتوجهه في استعادة الدولة الجنوبية.
فالمسيرة التي انطلقت مطلع مايو من العام 2017، وهو تاريخ تأسيس المجلس الانتقالي، التزمت في خلال سنواتها الماضية بخط سير وتوجه واضح وجلي، انتهج طموحات "الشعب الجنوبي"، وفق أدبيات المجلس.
ويبدو أن عودة حكومة الكفاءات السياسية إلى العاصمة المؤقتة عدن، جعل من موقف المجلس الانتقالي بحاجة إلى مزيد من الجلاء والتبيان.
ومن المؤكد أن المجلس الانتقالي الجنوبي حريص على توضيح مواقفه للرأي العام الداخلي، وربما حتى الدولي، لإعادة التذكير بتمسكه بتلك المواقف، وعدم تخليه عنها.
ولعل على قمة هرم تلك المواقف، التمسك بخيار استعادة الجنوبية، وهي الغاية الرئيسية التي من أجلها تأسس المجلس ووُجد ككيان جنوبي قبل اكثر من ثلاث سنوات ونصف.
ولهذا يعتقد متابعون، أن الظهور الإعلامي الأخير لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء عيدروس الزبيدي على قناة فضائية إماراتية ذات انتشار واسع، يصب في هذه الاتجاه، الذي يحرص عليه الانتقالي وحتى داعموه، في تجديد التأكيد على ثوابت المجلس.
ورغم أن كثيرا من المتابعين والسياسيين اعتبروا أن مقابلة الزبيدي على قناة (سكاي نيوز عربية) الإماراتية، لم تأتِ بأي جديد، وأنه كان "يؤكد المؤكد".
لكن في المقابل، يعتقد آخرون أن المقابلة جاءت بالعديد من النقاط الواجب الانتباه لها، والتركيز عليها، حتى نفهم سياسة الانتقالي المقبلة، وتعامله مع المرحلة القادمة.
فهذا الظهور الإعلامي، في مقابلة متشعبة وطويلة، تناولت الكثير من القضايا والتفاصيل الدقيقة، التي حملت رسائل وإشارات كان لا بد من الوقوف أمامها لقراءتها وتحليلها، وسبر أغوار أبعادها، خاصةً وأن العديد من المتابعين- سواء المعارضين أم المؤيدين- تلقوا تلك الرسائل بالكثير من التناقض، وربما التضارب.
مصير قوات الانتقالي
أحد تلك التناقضات في استيعاب الرسائل، ما أشار إليه اللواء عيدروس الزبيدي، حين تحدث عن قضية دمج القوات المسلحة الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي ضمن قوام مؤسسي في وزارتي الداخلية والدفاع اليمنيتين.
حيث يرى البعض أن الانتقالي تراجع عن مواقفه باعتبار أن تلك القوات هي نواة الجيش الجنوبي، الذي يسعى الجنوبيون إلى عودته ضمن عملية استعادة الدولة الجنوبية.
خاصةً وأن ذلك يأتي ضمن بنود اتفاق الرياض في شقها الأمني والعسكري، والتي تعتبر متى تنفذت خسارة الانتقالي للعديد من مكاسبه التي حققها عقب أحداث ومواجهات أغسطس 2019.
غير أن آخرين ينظرون إلى مثل هذه التصريحات بأنها تواكب التزام المجلس الانتقالي بتنفيذ اتفاق الرياض، تحديداً بعد الإعلان عن حكومة الكفاءات السياسية وعودتها إلى العاصمة المؤقتة عدن.
فكان من الحصافة بمكان أن يتطرق اللواء الزبيدي، خلال المقابلة المتلفزة، إلى مثل هذه التأكيدات "الدبلوماسية" المعبرة عن الالتزامات السياسية للانتقالي، وتواصلاً لتنفيذ اتفاق الرياض، وفق متابعين.
وما يؤيد ذلك أن رئيس المجلس الانتقالي أشار إلى أنه "لا غرو في ذلك"، خاصةً وأن غالبية ألوية المجلس الانتقالي الجنوبي المسلحة والموالية له، صدرت بها قرارات جمهورية يمنية، وفق قول اللواء الزبيدي.
تأمين الحكومة
وتواصلاً لالتزامات المجلس الانتقالي تجاه انفاق الرياض- أو على الأقل هكذا تبدو الأمور- تأكيد رئيسه أن قواته المسلحة مستعدة تماماً لتأمين حكومة الكفاءات السياسية؛ في سبيل أداء مهامها لاستعادة الخدمات وتفعيل مؤسسات الدولة، وفق ما جاء في مقابلة "شبكة سكاي نيوز" الإماراتية.
وهي المعضلة التي كانت تلوكها المنصات الإعلامية للمجلس الانتقالي، منذ بدء سيطرته على عدن، في أغسطس 2019.
حيث كانت وسائل الإعلام الموالية للمجلس تتهم الحكومة بتخليها عن مسئوليات الخدمية والمعيشية تجاه المواطنين، وبالتالي فإن الانتقالي- بحسب الزبيدي- مستعد لتأمين تواجد الحكومة في عدن، لتحقيق هذه الغاية، المتعلقة بتوفير الخدمات وتفعيل مرافق ومؤسسات الدولة.
وفي المقابلة المتلفزة، كثيرًا ما كان اللواء الزبيدي يؤكد على الالتزام باتفاق الرياض، ويبدو أن تجديد هذه التأكيدات يشير إلى رسائل سياسية يحاول رئيس الانتقالي بعثها إلى جهات وأطراف معينة، داخلية وخارجية.
ولعل أهم تلك الرسائل تتمثل في التزام الانتقالي باتفاق الرياض سياسياً، وأن قواته ستقوم بتأمين تواجد الحكومة بعدن، كما أنها ستنضوي ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، وفق بنود الاتفاق أيضاً.
ولهذا كان الزبيدي يتحدث حول اتفاق الرياض، ويقول خلال المقابلة: "إن الاتفاق يمضي بخطوات ثابتة وفق "أهداف استراتيجية" يتطلع إليها شعبنا الجنوبي، وقد قطعنا شوطا كبيرا في تنفيذ بعض الأمور، وهنالك ملفات أمنية وعسكرية سيتم مناقشتها مع الرئيس هادي؛ للخروج إلى حصيلة، والأيام القادمة ستشهد استكمال للاتفاق وعلى رأسها تغيير جميع المحافظين ومدراء الأمن".
كما أن اللافت في حديث رئيس الانتقالي هو تأكيداته المتواصلة، وإشاراته إلى وجود تفاهمات واتفاقات حول قضايا مصيرية سياسية وعسكرية، مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وكان ذلك واضحاً في ذكر الرئيس بأكثر من محور خلال المقابلة.
ويبدو أن في ذلك إشارة واضحة، من الزبيدي، للتأكيد على أن علاقته بهادي على ما يرام، وأن ثمة تنسيقا متبادلا في الأمور المصيرية، بحسب ما يراه مراقبون ومحللون.
لا تراجع
لكن.. وسط كل ذلك الكم الهائل من التأكيدات على تنفيذ اتفاق الرياض، حرص المجلس الانتقالي ورئيسه على التمسك بمبادئ وتطلعات الجنوبيين، في استعادة دولتهم.
حيث قال اللواء عيدروس الزبيدي: "إن تقرير مصير الجنوب واستقلاله عن شمال اليمن هو عبارة عن توجه أساسي لن يتراجع عنه المجلس".
وشدد رئيس المجلس على أنه لا استقرار في البحر الأحمر وبحر العرب دون حل دولتين جارتين، كحلٍ أنسب لاستقرار المنطقة، مشيرًا إلى وجود دولة جنوبية، هو تأمين للأمن القومي العربي، وفق ما جاء في المقابلة.
وهو ما يؤكد ما ذهب إليه المراقبون ومحللو المقابلة، لقول الزبيدي: "إن قيادة الانتقالي تحملت على عاتقها رفع علم الجنوب في مجلس الأمن الدولي واستعادة دولتنا بعملتها وطابعها البريدي".
وقد أكد أن "القضية الجنوبية متواجدة منذ 1994، والمناصفة هي نتيجة جهود شعب الجنوب طيلة عقود، استطاع من خلالها الحصول على 50 % من مقاعد الحكومة".
ووفق هذا الحديث، فإن كثيرا من المراقبين، يعتقدون أن اللواء الزبيدي ينظر إلى مشاركة الانتقالي في الحكومة اليمنية، "خطوة لا بد" منها للوصول إلى هدف وغاية الدولة الجنوبية.
جزء من الحكومة اليمنية
ولم ينسَ رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الإشارة إلى جولات المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، بشأن إبرام اتفاق سلام لإنهاء الحرب اليمنية.
ولفت الزبيدي إلى إن الإعلان المشترك، الذي يسعى له المبعوث الأممي، "لا يمثّل الانتقالي الذي لم يتلقَ أي دعوة بشأنه"، وفق قوله.
وأضاف: "بدون مشاركة الجنوب بأي حل وإيجاد فريق تفاوضي يمثله لن تحل الأزمة اليمنية، ورغم أننا لم نتلقَ أي دعوة رسمية من الأمم المتحدة لتمثيل الجنوب، لكننا دخلنا مع الرئيس هادي بتمثيل رسمي للجنوب، ونحن متواجدون على الأرض، وسنستمر بالوقوف مع شعبنا وقضيتنا".
مواجهة الحوثي
ومن الأشياء التي كانت الأكثر لفتاً في حديث اللواء الزبيدي، مطالبته للتحالف العربي بتسليح القوات التي يقودها بالإضافة إلى القوات اليمنية، وتوجيه الجميع إلى جبهات القتال لهزيمة جماعة الحوثي.
ولعل تلك الدعوات تكشف عما تطرق إليه المحللون، فيما يتعلق بتأكيدات الزبيدي على التزامات المجلس الانتقالي بتنفيذ اتفاق الرياض، حيث أن هذه الجزئية كثيراً ما يشدد عليها ويركز عليها التحالف في ضرورة توحيد الجهود نحو قتال المليشيات الحوثية وإنهاء الانقلاب.
كما دعا رئيس الانتقالي التحالف إلى إعادة منظومة الدفاع الجوي (الباتريوت) لتأمين أجواء العاصمة المؤقتة عدن، خاصةً عقب الهجمات الصاروخية التي طالت مطار عدن لدولي.
وأشار إلى أن المجلس الانتقالي شريك استراتيجي مع المملكة والتحالف العربي، وأضاف: "بعد هجوم الحوثي على مطار عدن لا يستطيع أحد أن يمنع التحالف من دعمنا بمعدات عسكرية ودعم القوات الجنوبية اليمنية لمواجهة الحوثي، وعندنا القدرة على ذلك، وفق حديثه.
وتابع "نحن متماسكون ومسيطرون على الجبهات في باب المندب، ويافع، والضالع وعدن، وكثير من مناطق الجنوب المحررة من الضالع إلى المهرة"، بحسب ما جاء في المقابلة.
قضايا وكواليس أخرى
المقابلة تناولت عددا من القضايا التي قد تبدو فرعية أو ثانوية، إلا أنها وثيقة الصلة بالأوضاع الجسيمة التي يعاني منها الجنوب واليمن عموماً.
حيث كشف الزبيدي عن جهات دولية وقفت عائقاً أمام القضية الجنوبية، وأمام التحالف، وربما قد يبدو في ذلك تلميحات إلى دور قوى وأطراف إقليمية ودولية، تدعم أدوات محلية.
حيث توعد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء عيدروس الزبيدي جماعة الإخوان قائلاً: "سنستمر لاجتثاث الاخوان المسلمين من الجزيرة العربية اجتثاثا كاملاً".
يذكر أن كثيرا من المحللين يعتقدون أن ظهور اللواء الزبيدي جاء بهدف الإعلان عن موقف مغاير للمجلس الانتقالي الجنوبي، مع التأكيد على التمسك بثوابت الجنوب، حتى يُطمئن الجنوبيين بأن الانتقالي قد يواصل العمل مع الحكومة اليمنية، لكن تبقى مبادئه راسخة، لن يحيد عنها.
